العهود مع يهود يثرب وتحريم جوفها

Transcript

1 ترجمات قسم الدراسات الدينية 20 سبتمبر 2016 سنة جامعة: العهود مع يهود يثرب وتحريم جوفها ر. ب. سرجنت ترجمة: فوزي البدوي All rights reserved 2016 جميع الحقوق محفوظة 2016

2 1»سن ة جامعة«العهود مع يهود يثرب وتحريم جوفها 2 تحليل الوثائق المضمنة في ما عرف»بدستور المدينة«3 بقلم: ر. ب. سرجنت 4 ترجمة: فوزي البدوي 1- نشرت هذه المادة في مجلة "ألباب" العدد 7 خريف 2015 مؤسسة مؤمنون بال حدود للدراسات واألبحاث. 2 Serjeant, R. B. (1978). "The "Sunnah Jāmi'ah, " Pacts with the Yathrib Jews, and the "Tahrīm" of Yathrib: Anal - sis and Translation of the Documents Comprised in the So-Called 'Constitution of Medina'." Bulletin of the School of Oriental and African Studies, University of London, 41(1): روبرتبرترامسرجنت ( 1993/1915( مستشرق بريطاني در س في معهد الدراسات الشرقية واإلفريقية بلندن الشهير SOAS درس في البدء اللغات السامية في جامعة أدنبرة ثم انتقل إلى»ترينيتيكولج«Trinity College في كمبردج حيث تحصل على الدكتوراه وقد سمحت له الحرب العالمية الثانية أن يتخصص شيئا فشيئا في حضارة جنوب الجزيرة واليمن تحديدا لينتهي به المطاف بعد العمل بهيئة اإلذاعة البريطانية في قسمها العربي إلى االستقرار بجامعة كمبردج حتى تقاعده سنة 1964 رئيسا لقسم اللغة العربي ة الحديثة. وقد اعتبر من أفضل المستشرقين الذين اشتغلوا ببالد اليمن وتعتبر دراسته هذه حول صحيفة النبي التي ربط بينها وبين نظام الحوطة اليمني مرجعا ال يضاهى في الموضوع سواء أ ق بل بنتائجها أم ال بعد أن خصص لها دراسة أولى سنة 1964 وإذا كان ال بد من صنعاء وان طال السفر فال بد من المرور بهذه الدراسة وان تعددت الدراسات. وقد عرف بمناهضته الشديدة للمدرسة التصحيحية االنجلوسكسونية وله مناظرات مع باتريسياكراونومايكل كوك معروفة مشهورة وقد خلف لنا أعماال غزيرة وعرف له من الترجمات العربي ة نشره لكتاب نثر وشعر من حضرموت وقد تحولت مكتبته بعد وفاته إلي مكتبة عام ة يقصدها دارسو تاريخ اإلسالم المبك ر والحضارة اليمني ة القديمة. 4 جامعي تونسي مختص في الجدل اإلسالمي اليهودي بالعربي ة والعبري ة.

3 مقدمة املرتجم هذه الوثيقة التاريخية مما يستحق أن يولى كل االهتمام فقد طبقت شهرتها اآلفاق كما يقال وهي عمدة الباحثين في الدراسات اإلسالم ية في الفترة المتصلة بنشأة اإلسالم وتجربة المدينة وتتصل بالنقاش الذي ساد ويسود حتى اليوم حول صحة ما عرف ب«نص الصحيفة«أو دستور المدينة وقد بدا هذا االهتمام منذ أن كتب يوليوس فلهاوزن Wellhausen( )Julius 1 دراسته األولي في بدايات القرن الماضي الذي يعيد وضعها إلى ما قبل السنة الثانية للهجرة بدليل أن اليهود ال يذكرون فيها بسوء ثم تاله لفيف من المستشرقين في دراسات أشمل ضمنوها فصوال أو صفحات عن هذه الصحيفة كما فعل مونتغمري واط Montgomery( )Watt في كتابه محمد في المدينة وآخرون من أمثال غريم )Grimm( الذي يذهب إلى أن ها كتبت في السنة الخامسة للهجرة بدليل عدم اإلتيان على ذكر القبائل اليهودي ة المعروفة مثل بني االنضير وقريظة وقينقاع حيث جرى االنتهاء من أمرهم في هذه السنة تقريبا. وهو أمر غير دقيق في اعتقادي ويبدو أن رأي واط هو األقرب إلى الصحة إذ ينفى أن تكون قد كتبت دفعة واحدة وفي سنة واحدة ويرى فيها نص ا منق حا في بنوده وزمن كتابته وهو ذات التوجه الذي ينخرط فيه سرجنت) Sergeant )R.B. في الحقيقة وإن بمواد مختلفة فقد خص ص لها سرجنت دراسة أولي سنة 1964 أردفها بثانية سنة 1978 ثم عاد إليها بعد ذلك بدق ة أكبر في دراستين هام تين جد ا. مؤك دا على فرادتها التاريخي ة والغبن الذي لحقها يقول: إن ه لمن الغريب أن يالحظ المرء قلة االهتمام الذي لحق بما عرف بدستور المدينة إذ لم يعتن بها إال قلة من المختص ين من المؤر خين سواء أكانوا من المسلمين أو المستشرقين الغربي ين إال أن ه من وجهة النظر التاريخي ة فإن هذه الوثيقة على درجة عالية من األهمية لدراسة فجر اإلسالم بل القرآن نفسه بما هو وثيقة ال يمكن الشك فيها بحال من األحوال إذ صحتها ثابتة ال ريب فيها. 1 من النصوص األخرى التي كتبت حول الصحيفة نشير إلي القائمة التالية: Arjomand, Saïd Amir. "The Constitution of Medina: A Sociolegal Interpretation of Muhammad's Acts of Foundation of the "Umma"." International Journal of Middle East Studies 41, no. 4 (2009): Denny, Frederick M. Ummah in the Constitution of Medina. Journal of Near Eastern Studies 36, no. 1 (01/01/ 1977): Gil, Moshe. The Constitution of Medina: A Reconsideration.. Israel Oriental Studies no. 4 (1974). Lecker, Michael. The Constitution of Medina: Muhammad s First Legal Document. Studies in Late Antiquity and Early Islam ;. Princeton, NJ: Darwin Press, Rose, Paul Lawrence. Muhammad, the Jews and the Constitution of Medina: Retrieving the Historical Kernel Serjeant, R. B. The Constitution of Medina.. Islamic Quarterly no. 8 (1964). Wensinck, Arent Jan. Muhammad and the Jews of Medina: With an Excursus Muhammad s Constitution of Medina. IslamkundlicheMaterialien, Vol. 3. Freiburg imbreisgau: K.S. Verlag, قسم الدراسات الدينية 3

4 وكانت مزية هذه الدراسة الثانية أن ها أخذت بعين االعتبار ما استجد طوال أربع عشرة سنة هي المدة الفاصلة بين دراستيه وفي هذه الفترة ظهرت أعمال عديدة ومهمة من بينها ما كتبه موشيه جيل Moshe( Gil (سنة 1974 ومالحظات باتريسسا كراون) Crone Patricia (ومايكل كوك Cook( Michael (سنة 1977 في كتاب الهاجرية )Hagarism( الشهير الذي أثارتبعض آرائه حول الصحيفة حفيظة سرجنت المعروف بعدائه لمدرسة كراون وأضرابها قبل أن يصدر أوري روبين) Rubin )Uri دراسته الالحقة لعمل سرجنت سنه وقد رأينا حاجة المشتغلين بمثل هذه المسائل وجمهور الباحثين في البالد العربي ة عموما إلى نصه المعر ب فارتأينا تقديمه لهم خدمة للدراسات التاريخي ة المتصلة باإلسالم وتعميما للفائدة. والواقع أن ما يحز في النفس أن الكت اب العرب المعاصرين في مجملهم لم يفقهوا شيئا عن الصحيفة فقد»امتشقوها«كعادتهم مع نصوص الماضي في سياق جدالي بائس لالنتصار إلى إسالم يجد يوما بعد يوم صعوبة في التكي ف مع العالم الحديث فهي الدليل عندهم على»التسامح«وحماية حقوق المواطن )كذا ( والسبق إلى اكتشاف فكرة»العقد االجتماعي«دون تفرقة في الد ين والجنس ويستدلون بها باعتبارها حال لمشكلة األقلي ات المتعاظمة اليوم في عالم تتجاذبه قوي العولمة بما فيها من دمج االقتصادي على المستوي الكوني وتفتيت سياسي إلى»هوي ات قاتلة«وكيانات سياسي ة صغرى وهش ة وسيادات دول بائسة ال حول لها وتأتي اهتماهم بها في سياق بيان عظمة اإلسالم في مقابل الهمجي ة اليهودي ة اليوم ولعل ك ال تجد واحدا من كل من درسها من العرب للداللة على هذا الغياب الكلي عن دراسة مرحلة أساسية في اإلسالم المبك ر وصلته بمسألة التنوع الديني والعرقي في بيئة أخالط كما يسم يها صاحب»المغازي«فقد قدم الر سول يثرب وأهلها كما يقول الواقدي في مغازيه: أخالط- منهم المسلمون الذي تجمعهم دعوة اإلسالم فيهم أهل الحلقة والحصون )أي اليهود( ومنهم حلفاء للحيين جميعا األوس والخزرج فأراد رسول هللا صل ى هللا عليه وسل م حين قدم المدينة استصالحهم كلهم وموادعتهم وكان الرجل يكون مسلما وأبوه مشركا«وليس هناك إجماع أو شبه إجماع بين الباحثين حول الظروف الحقيقي ة لدخول اليهود يثرب سوى أنهم كانو أسبق في االستبطان بها من األوس والخزرج وأنهم خضعوا له في البداية متصلين بهم»جوار«أو»حلف«قبل أن يتمكنوا من قلب التوازن السياسي في يثرب وليس يعني ذلك أنهم كانوا منفصلين عن بعضهم البعض انفصاال مطلقا فمن عرب يثرب من تهو د لشدة صلتها بيهود يثرب كما يستدل على ذلك من احاديث السمهودي في وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى. وقد كان محمد مدركا تمام اإلدراك لهذه المعارضات والتوزانات بيثرب ولذلك سعى منذ البداية إلى تنظيم ما للعالقات بينه وبين كل سكان هذه البالد فيما عرف باسم الصحيفة وهي فعال من أقدم الوثائق التي سلمت- ولم تستطيع حتى جماعة الحركة التصحيحية - إنكار صحتها وهم الذين ضعفوا تقريبا كل المصادر اإلسالم ية األولى فباتريسيا كراون تؤكد منهجي ا على أن»تاريخية المروي ات اإلسالم ية تثير المشاكل بدرجات متفاوتة وكيفما قلبت األمور فلن تجد غير ذلك: ففي حين ال توجد أسس خارجية متماسكة لرفضه ليست 4 قسم الدراسات الدينية

5 هنالك بالمقابل أسس داخلية متماسكة للقبول بها. في هذه الظروف ليس من غير المعقول االستمرار بالطريقة المعتادة وذلك عن طريق تقديم نسخة من المرويات محررة بطريقة معقولة كحقيقة تاريخية. لكن بالمقابل يبدو من المعقول إلى حد ما النظر إلى المرويات باعتبارها دون محتوى تاريخي محد د واإلصرار على أن ما يد عى أن ه روايات لحوادث تاريخية في القرن السابع ال يفيد إال في دراسة األفكار الد ينية في القرن الثامن. تقد م لنا المصادر اإلسالم ية كم ا وافرا من المجاالت التي تساعد على القيام بهذه المقاربات المختلفة لكنها ال تمد نا إال بالقليل مما يمكن استخدامه بأية طريقة حاسمة للفصل بين تلك المقاربات. إذا فالطريقة الوحيدة 2 للخروج من هذه المعضلة ال تكون إال بالخروج من التقليد اإلسالمي ورواياته بالكامل والبدء من جديد.«والحقيقة أن سبب اهتمام هذه الجماعة بنص الصحيفة إن ما يرجع إلى أن ها لم تناف تصورهم العام لمسار العالقات اإلسالم ية اليهودي ة كما تصو روها قائمة متينة مستمرة إلى حدود فتح بيت المقدس زمن الخليفة الثاني معتمدين على ذلك النص األرمني الشهير المنسوب إلى مؤرخ سيبيوس )Sebeos( ففي هذا الصدد تقول كراون»...ليس ثمة شيء هنا يثبت صح ة الصورة اإلسالم ية كحركة تخاصمت مع اليهود قبل الغزو ونظرت إلى اليهودي ة والمسيحية بمجموعة التساهل والتحفظ ذاتها. ما ال تقد مه المواد المفحوصة حتى اآلن هو الصورة العينية عن الطريقة التي حدث بها هذا االرتباط اليهودي العربي. ألجل هذا يجب أن نرجع إلى أقدم رواية ذات الصلة بالموضوع والتي تتحدث عن سيرة النبي رواية مقد مة في تاريخ أرمني مكتوب في العقد السادس من القرن السابع يعزى للمطران سيبوس«. وتعلق كراون على هذا التصور الذي ساقه سيبيوس بقولها»...تبدو هذه الر واية المتعلقة بأصول اإلسالم وكأن ها رواية غير مألوفة. إنها أيضا واضحة في ال تاريخيتها وذلك في مزجها لعلم نشوء األعراق التوراتي كما أنها مخطئة حتما في الدور الذي تعزوه لليهود الالجئين من الرها. هذا الدور بغض النظر تماما عن استحالته جغرافيا مستحيل تاريخيا فعال : فهو يعني أن دولة محمد ال يمكن أن تكون قد أسست قبل عام 628 بكثير في حين أن لدينا دليال وثائقيا منذ عام 643 يفيد أن العرب كانوا يستخدمون تقويما يبدأ بعام 622 وكانت فلسطين المحتلة آنذاك من قبل الفرس ستبدو نقطة بداية أكثر معقولية بكثير بالنسبة إلى اليهود الالجئين من الرها مع ذلك فهذا المطلب ال يضعف الصورة التي يقد مها سيبيوس عن بنيان العالقات اليهودي ة العربي ة في الحقبة الموصلة إلى الغزو وموثوقية هذه الر واية مؤكدة بشكل الفت للنظر من قبل طرف غير متوقع تقريبا. فمقابل الر واية اإلسالم ية المعتمدة حول العالقات بين محمد وأسباط اليهود في المدينة ي ظ ه ر اليهود في وثيقة تعرف باسم»عهد المدينة«على أنهم يشك لون أمة واحدة مع المؤمنين رغم احتفاظهم بديانتهم الخاصة وهم يتوزعون دون أسماء متميزة ضمن عدد من أسباط العرب. وبما أن هذه الوثيقة مخالفة لما هو متعارف عليه على نحو واضح وتعتبر عنصرا دار سا للوهلة األولى في التقليد اإلسالمي فاتفاقها في هذه المسائل مع أقدم األوصاف 2 Crone, Patricia, and M. A. Cook Hagarism: the making of the Islamic world. Cambridge: Cambridge University Press. p 3 وانظر الترجمة العربية التي اعتمدناها نبيل فياض: ( 2002( الهاجريون: دار المحجة البيضاء بيروت لبنان قسم الدراسات الدينية 5

6 الروائية حول أصول اإلسالم هام إلى درجة كبيرة. وهكذا يمكن لنا أن نقبل بسيبيوس باعتباره يقدم اإلطار الروائي األساسي الذي تنتمي إليه العالقات اليهودي ة - العربي ة المقدمة سابقا «. 3 وعلي كل فإن سرجنت - وهو المعروف بمخالفته ألراء كراون وأضرابها -ينخرط كما قلت في المسار البحثي الذي اختطه االستشراق الكالسيكي ومونتغمري واط تحديدا إال أن ه يضيف إلى ما توصل إليه سابقه قوله إن هذه الصحيفة إن ما قد ت على منوال سابق هو منوال عهود»الحو طة اليمنية«القديمة التي درسها بالتفصيل في دراسة قي مة تعد مرجعا في بابها. وإذا ما ضرب المرء صفحا عن هذه المسائل التي سأتناولها الحقا بالتفصيل في مقال مستقل فإن المرء يحتاج إلى أن ينتبه إلى أن ما يهم نا في هذه الوثيقة في واقع األمر هو أنها لخص ت في نظري كل إنجازات محمد في المدينة من ناحية ولخ صت رسالته لألجيال الالحقة من المسلمين من جهة أخرى فقد حد دت هذه الصحيفة. أو ال: منزلة محمد : في المدينة باعتباره»حكما«بين كل مكو نات المجتمع اليثربي من اليهود والمسلمين وغيرهم فقد كان محمد يتضايق كثيرا من التجاء أهل يثرب في منازعاتهم الشخصي ة والقبلي ة إلى غيره مثل عبد هللا بن أبي وغيره وكان يحاول جاهدا أن يفتك شيئا فشيئا هذه»السلطة المعنوي ة«وهو في ذلك يواصل من جهة تمس كه بالتقاليد الجاهلي ة تقاليد»التحكيم«ولكنه يحو رها في ات جاه مخالف فإذا كان االلتجاء إلى»حك ام«الجاهلي ة أمرا اختياري ا وأحكامهم»غير ملزمة«فإن محمد ا من خالل بعض بنود الصحيفة التي تشير إلى منزلته قد سعى بقوة إلى أن يكون الحكم األوحد وأن يكون االلتجاء إليه قاطعا وضروريا كما سعى إلى أن تكون أحكامه ملزمة ألتباعه. ولمن قيل ببنود الصحيفة. ثانيا: تغير منزلة يثرب: بتحويلها إلى»حرم«تماما كما كان وضع مكة محاوال تأسيس»سلم اجتماعية ضروري ة لترسيخ الدعوة المحمدي ة ووضع حد للفتن المسلحة بين سك انها ذلك أن الر سول كان على وعي جاد بهشاشة التعايش بين األنصار والمهاجرين وهو األمر الذي كشفته بوضوح غزوة بني المصطلق إضافة إلى هشاشة التعايش بين أهل يثرب أنفسهم. 4 والحقيقة أن جعل يثرب»حرما«بإضفاء صفة القداسة عليها كان البداية إلمكان تحويل يثرب إلى»المدينة«بكل ما تعنيه المدينة من مفاهيم االستقرار والتمد ن. ويبدو من وجهة نظري أن تسمية المدينة لم تصر علما على المدينة إال بعد تصفية الوجود اليهودي في يثرب أي حوالي السنة الخامسة للهجرة ال في السنة الثالثة مثلما يرج ح ذلك رضوان السيد وال نعتقد بوجود شبه كبير بين مصر ويثرب كما ذهب بل إن ني أميل إلى األخذ بالتخريج الذي أتي به السمهودي حين أك د على األصول اليهودي ة واالشتقاقية العبرية للمدينة في قوله»مدينة الر سول )صلعم( من مدن بالمكان إذا أقام أو وانظر الترجمة العربية 3 Crone, Patricia, and M. A. Cook Hagarism: p هذا الوعي بالهشاشة هو الذي يعكسه ما يروى في بعض كتب الصحاح والمسانيد من أن الر سول " دعا ربه إال يجعل بأسهم بينهم ف من ع ه«. انظر مثال: مسند اإلمام أحمد بن حنبل توفى )ت 241 ه( تح أحمد محمد شاكر دار الحديث القاهرة الطبعة األولى 1416 ه / 1995 م وانظر أيضا: صحيح مسلم )ت 261 ه( تح محمد فؤاد عبد الباقي دار إحياء التراث العربي بيروت )د-ت( )4/ 2216(. 6 قسم الدراسات الدينية

7 من دان إذا أطاع... ألن السلطان يسكن المدن فتقام له طاعة فيها... وقيل ألن ه )صلعم( سكنها وله دانت األمم وألمته... ونقل في التوراة«5 فإذا كان للمدينة إشارة فعال إلى وجود»سلطة«تريد أن تكون مركزي ة فإن ذلك يجب أن يبحث في احتذاء الر سول حذو النموذج اليهودي - أو المسيهودي - الذي يفترض ضرورة وجود مكان حرام فقد روي قوله»حرم إبراهيم مكة وحرمى المدينة«. 6 ويبدو أن مفهوم المدينة كان في ذهن محمد نفيا مطلقا لمفهوم»القرية«. الذي ارتبط دوما في القرآن بمعان سلبي ة لم تشذ عنه سوى مكة»أم القرى«وقد سمي ت المدينة أيضا»أك الة القرى«على ما يذكر السمهودي فإذا أضفنا إلى ذلك ما يروي عن الر سول من قوله»أم تى في المدينة«أدركنا أهمي ة الصلة بين مفهوم المدينة الحرم والمفهوم الثالث الذي يتكشف من خالل الصحيفة. مفهوم»األمة«من المعنى اإليجابي الذي تذكره الصحيفة وهو ارتباط جماعة معينة بمصالح دينون ية وسياسية أساسا دون أن يكون للبعد الديني أثر كبير في بدء األمر وهذا التعد د يعكس في الواقع مفهوما لألمة كما جاء في السنة األولى والثانية على أقصى تقدير حينما كان»اليهود والمسلمون أم ة دون الن اس«ولكنه سيختفي بعد ذلك ليحل محله مفهوم جديد لألمة»أم ة الوسط«و»أم ة إبراهيم حنيفا«التي أخرجت من صفوفها المنافقين واليهود لتصير خالصة وفي هذه الرحلة سيقوى البعد الديني كأساس رابط لهذه الجماعة. وهكذا يبدو ارتباط األمة بالمدينة واضحا جد ا»في تجربة المدينة«فإذا كانت األمة هي النقيض لمفهوم القبيلة والعشيرة القائمة على رابطة الدم والعرق والنسب فإن المدينة هي النقيض لمفهوم القرية المرتبطة بالبداوة ومحمد باستقراره في المدينة حيث انغلق الوحي يكون قد ضمن لجماعة المؤمنين تواصال أساسيا بين مفاهيم ثالثة هي عمق الرسالة المحمدي ة وأعني األمة والمدينة والكتاب. وال شك أن التحو ل من القرية إلى المدينة ومن القبيلة إلى األم ة معناه في صلب التفكير التاريخي»دخول األمة في التاريخ«هذا الدخول ستكتمل مالمحه بوالدة مفهوم جديد كان غائما في البداية أال وهو الجهاد. الذي سيدخل األم ة في تاريخ جديد»هو تاريخ الخالص«أو»التاريخ المقد س«بالمعنى الذي يعطيه تاريخ األديان لهذا المفهوم. 5 السمهودي وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى مؤس سة الفرقان للتراث اإلسالمي فرع موسوعة مك ة المكر مة والمدينة المنو رة ط ج 1 ص 85 6 انظر مسند أحمد ت شاكر )3/ (287 وقد ورد هذا الحديث بصيغ مختلفة متفقة المعنى. قسم الدراسات الدينية 7

8 النص املرتجم توطئة: لقد درست قرابة عقد من السنين»دستور المدينة«في جامعة كمبردج والوثائق الثماني المستقلة بعضها عن بعض التي يتضمنها والتي ظهرت في مناسبات مختلفة طوال السنوات السبع األولى من إقامة محمد في المدينة وقد استندت في دراستي طوال هذه السنوات على نص مرقون على اآللة الكاتبة لهذه الوثائق مرقمة من حرف ال A إلى حرف ال H وقد لفت انتباهي إليه أو ل مرة عندما نظرت في الترجمة األخيرة التي قام بها البروفيسور ألفراد غيوم Guillaume( )Alfred لنص سيرة ابن إسحاق برواية ابن هشام 7 لما الحظته 8 من التشابه الوثيق والمدهش بينها وبين معاهدات»الحو طة«في حضرموت وكنت آنذاك بصدد دراستها وقد كنت أنوي في البدء أن أنشر نموذجا لمعاهدة الحو طة على أن أرفقه بتحليل لنص»دستور المدينة«وأنا إذ استعمل كلمة»دستور«فألن ها»تسمية متعارف عليها شائعة ولكن نصها ال يمت في الواقع للدساتير بصلة في الحقيقة فوجب التنويه. وال زلت إلى اليوم أرغب في نشر مدونة الحو طة التي درستها من أجل البرهنة على هذا التشابه القائم غير أن الواجب كان يقتضي أن يتم نشر تحليل هذه الوثائق المنفصلة التي تكون نص»الد ستور«وكشف غوامضها لما لها من تبعات منهجي ة وتاريخي ة مهم ة إذا ما أريد القيام بأي ة محاولة لكتابة مقاربة نهائية وحديثة عن سيرة الر سول. وطالما أن الظروف في شبه الجزيرة العربي ة لم تتغي ر كثيرا فإن المجتمع واللغة لم يتغي را بدورهما كثيرا ويمكن القول إن اإلسالم قد تمك ن في عديد المناطق من تغيير الثقافة التي كانت سائدة في الجاهلية وإن ببطء. وتعتبر البيوت والمنازل في حضرموت ذات أهمي ة بالغة في المساعدة على فهم الخلفية العربي ة لإلسالم الناشئ وقد مك نت الصالت المباشرة مع شمال اليمن منذ 1964 من تقديم فرص عظيمة لفهم المؤسسات القديمة في شبه الجزيرة العربي ة والواقع أن الحاجة إلى قراءة الخلفيات بشكل شامل إضافة إلى المشاغل األخرى قد قعدت بي عن نشر النص وتحليله إلى أجزائه المكو نة التي كنت درستها في ما ألقيته من دروس سنة 1963 في المركز الثقافي اإلسالمي في لندن. 9 والحقيقة أن ه إذا ما أراد المرء أن يقد م دراسة مقارنة شافية فإن ه يتوج ب أن نضع كتابا كامال ال مجر د مقالة ومع ذلك فإن التحليل كما سيتم منذ هذه اللحظة فصاعدا في مجلة الدراسات اإلسالم ية سيجعل من الممكن التفريق بين ثماني وثائق منفصلة وأن ه لمن الضروري أن يضع المرء النص العربي إلى جانب كل 8 انظر دراستي: 7 A. Guillaume (tr.). The life of Muhammad. London seq. "Haram and hawtah. the sacred enclave in Arabia. in <Abd al-rahmânbadawi(ed.). Mélanges Taha Husain. Le Caire The " Constitution of Medina " '. Islamic Quarterly. vm قسم الدراسات الدينية

9 وثيقة من هذه الوثائق ذلك أن الكثير من الكلمات والعبارات الموجودة في هذا النص العربي تبدو غامضة وصعبة حتى بالنسبة إلى المفس رين وفقهاء اللغة من العرب القدامى ولهذا السبب بالذات فإن جالء هذا الغموض في االصطالحات والمفاهيم والعبارات يعتبر شرطا شارطا لفهم النص العربي وترجمته. وإن ني إذ أقد م هذا التحليل لوثائق»الصحيفة«معتمدا على المصادر العربي ة القديمة ومهتديا في عملي التأويلي بما أعرفه نسبي ا من الثقافة العربي ة التقليدي ة في أنحاء الجزيرة فإن ني أكر رما سبق وذكرته في غير هذا الموضع 10 من أن محمد ا كان يتصر ف في ما يأتيه من قول وفعل وفق األعراف السياسي ة العربي ة السائدة منذ أزمان بعيدة بل يمكن القول من بعض الوجوه إن ه لم يكن سوى»حك م «كما كان األمر بالنسبة إلى أجداده وهو لم يغي ر إال قليال من األعراف وقوانين المجتمع في شبه الجزيرة العربي ة. إن هذا التواصل العظيم مع الماضي العربي في كل ما أتاه الر سول قد تم تفصيله وبيانه بشكل كاف في القرون التالية التي تم فيها تبلور اإلسالم بالصورة التي ندركها اليوم وذلك من أجل بناء تلك الصورة المفهومي ة عن الر سول وعمله ولع له من الراجح أن خلفاءه من بعده أي أبا بكر وعثمان وعلي بن أبي طالب بطبيعة الحال قد واصلوا العمل في إطار هذه السلطة التشريعي ة وهذه السن ة سن ة»الحك م«العربي األعظم واألهم مثلما تبي نه عن حق وبكل ما في الكلمة من معني ذلك القول المأثور عن الر سول»خيار الناس في اإلسالم خيارهم في الجاهلية إذا فقهوا في الد ين«. 11 فهذا القول يؤك د بما ال يدع مجاال للشك تواصل التحكيم على يد سادات القبائل وشيوخها وفق مقتضيات النظام الديني الجديد. ولع له من المالحظ أن محمد ا قد قبل في كل مراحل هذه الحقبة ما كان يعرف»بالمعروف«في القبائل اليثربي ة واعتبره أمرا ملزما ولم يسع قط إلى تغييره. والحقيقة أن هذا الرأي الذي أسوقه ال يعني بطبيعة الحال المس بالدين اإلسالمي بأي شكل من األشكال وال بدور الر سول بل هو رأي يجد دعامته في االعتبارات الموضوعي ة التي تجود بها الموارد والنصوص التي احتفظت بها المصادر العربي ة القديمة نفسها إضافة إلى معرفة نسبي ة وسطحي ة يمتلكها المؤل ف من خالل معاشرته لمحتوي النقائش التي احتفظت بها الحقبة السابقة على ظهور اإلسالم. ور ب معترض أن يقول أن معتمد المؤل ف إن ما هو اختيار اعتباطي لبعض النصوص دون بعض تم توجيهها لخدمة بعض المعاني من خالل تخي ر بعض الكلمات المفاتيح. والجواب على ذلك أن هذا التخي ر قد تم وفقا لمقتضيات السياقات وتناغما معها. 10 انظر مقدمة كتاب: خصوصا ص 10 وقد اجريا الحقا أبحاثا كثيرة قدمت وجها نظر جديدة بالنسبة إلى آرائي. A. J. Arberry (ed.). Religion in the Middle East. Cambridge II cf. The Saiyids of Hadramawl. London p. 6. n. l; الواقدي كتاب المغازي ط مارسدنجونز لندن 1966 رقم 547. البخاري الصحيح ط كريهل ليدن ث رقم 322 ق األنبياء وكذلك تفسير السورة xii قسم الدراسات الدينية 9

10 وفي جميع الحاالت فإن كل إشارة إلى القرآن قد تم اعتبارها إشارة واضحة إلى األحداث المتصلة بحياة الر سول وأعماله ومن غير النادر أن تفهم كلي ا بالرجوع إلى األعراف العربي ة التي ظل ت على قيد الحياة حت ى أي امنا هذه وهو أمر تشهد به التفاسير نفسها وحينما يميل بعض كبار المفس رين أمثال الطبري إلى إعطائها صبغة تطبيقي ة كوني ة فيجعلها صالحة لكل زمان أو مكان فإن المرء يفترض جدال أن ذلك ما هو إال توسيع لمجال أخبار ودالالت أحداث تت صل بمجريات األحداث التاريخي ة واالجتماعي ة في يثرب / المدينة ما بين السنوات /11-1. العرب واليهود زمن هجرة محمد يقول الواقدي في مغازيه : 12»وكان النبي قدم المدينة وهي أخالط منهم المسلمون الذين تجمعهم دعوة النبي ومنهم المشركون الذين يعبدون األوثان ومنهم اليهود وهم أهل الحلقة والحصون وهم حلفاء الحيين األوس والخزرج فأراد النبي إذ قدم استصالحهم كلهم وكان الرجل يكون مسلما وأبوه مشرك ويكون مسلما وأخوه مشرك«. ولما كان األمر كذلك فقد قام محمد بتشكيل حلفين بين المهاجرين من أتباعه المكي ين المهاجرين إلى يثرب واألنصار من األوس والخزرج 13 وحلفائهما من القبائل اليهودي ة وشك ل من خاللهم»أم ة«ذات أسس دنيوي ة من حيث نموذجها ولكن ثيوقراطي ة من حيث أن هللا ومحم دا هما المرجع النهائي ومصدر التحكيم األخير الذي يرد إليه االختالف إذ كل شيء يخاف فساده فمرد ه إلى هللا والرسول. وقد سكن اليهود الحجاز قبل الميالد ويشير كتاب األغاني 14 ألبي الفرج األصفهاني نقال عن بعض المرويات التاريخية اليهودي ة اليثربية إلى أن بني النضير وبني قريظة وبني بهدل نزلوا هناك بعد تغلبهم على 12 انظر المرجع السابق ج 1 ص 184 والدعوة كما جاء في معجم الين ) Lane (هي الجماعة التي تساعد وتآزر confederation to aid or assist غير أن إعطاءها هذا المعني في فترة مبكرة يعتبر أمر ا فيه بعض المجازفة 13 انظر مقالي: 14 أبو الفرج االصفهاني كتاب األغاني بوالق -9 / ج 19 ص 94 Constitution6-7 ٠ 10 قسم الدراسات الدينية

11 اليهود 15 فاتخذ بنو النضير منازلهم بالعالية في البطنان/ الباطنان ونزل بنو قريظة في مهزور واديان بالحرة وهي أرض من الحمم البركانية مثلما رأيت شبيها له في تلك القرى الموجودة في جنبات األودية من بقايا الحمم البركانية في مدينة أرحب. والحقيقة أن اليهود لم يكونوا كل هم من نفس المنزلة االجتماعية 16 حت ى قبل سيطرة األوس والخزرج فقد كان اليهود يعتبرون أن لبعض القبائل اليهودي ة فضال على بعض في الشرف والثروة والعز ومن بين ثالث عشرة قبيلة يهودية أحصيت في هذه الفترة واجه الر سول فيما يبدو مواجهة سياسية مباشرة ثالثا منها ومن الممكن أن تكون القبائل اليهودي ة األخرى قد قامت بمعاهدات مع أسياد القبائل العربي ة ونقبائها تضمن بها حمايتها المباشرة مثلما تدل على ذلك الوثيقة C وكانت فيما يبدو خاملة الذكر سياسيا ومن الممكن أيضا أن تكون قد اندمجت أو انضوت في القبائل اليهودي ة الثالث األكبر. ويشير كتاب األغانى 17 بكل وضوح إلى أن ه مهما كانت منزلة اليهود فيما مضي من األي ام فإن هم قد»ذل وا وقل امتناعهم«وزال ما كان لهم من السطوة والمنزلة حتى أن هم دخلوا قبيل اإلسالم في ذم ة القبائل العربي ة وحمايتها إذ»كلما هاجمهم أحد من األوس والخزرج بشيء يكرهونه لم يمش بعضهم إلى بعض كما كانوا يفعلون قبل ذلك ولكن يذهب اليهودي 18 إلى جيرانه )والجار في معني الحامي في هذا السياق = سرجنت( الذين هو بين أظهرهم فيقول: إن ما نحن جيرانكم ومواليكم 19 فكان كل قوم 20 من يهود قد لجؤوا إلى بطن من األوس والخزرج يتعز زون بهم وكان هذا الذل وقلة االمتناع قد حدثت بعد»قتل مالك بن العجالن من يهود من قتل«. 15 إحدى الدالئل على تاكيد الر واية اليهودي ة عن الهجرة إلى الحجاز من فلسطين هو اسم فطيون بني ثعلبة بن الفطيون )انظر: op. (Guillaume, cit., 239 وجاء في الروض األ نف للس هيلي ج 2 ص 224 ما نصه و ال ف ط ي و ن ك ل م ة ع ب ر ان ي ة و ه ي ع ب ار ة ع ن كل م ن و ل ي أمر ال ي ه ود و م ل ك ه م. وقد ذهب الدكتور غارتنر.M Gertner إلى أن ه وجد اصل الكلمة في عبرية ما بعد التوراة وقد عزمنا على كتابة مالحظات حولها من المصادر العبرية والعربية كما ان البروفيسور جون امرتون John Emerton قد سعى إلى المساعدة في تتبع ما ارتاآه د. غارتنر ولفت انتباهي إلى المصادر التالية: J. Levy, Wörterbuchüber die Talmudim und Midraschim, Berlin, 1924, 1, 69, איפטיא = Greek ύπατείa, وتعني حرفيا»استشار«ثم صارت تعني كل حين من الدهر يتميز بامر جلل «وهناك أيضا عبارة איפלטיקלסمن اليونانيةύπατίκός ( انظر المرجع السابق ج 4 ص 26( وعبارة פטייהهي مختصر لعبارة איפטיא من اليونانية ΰπατΐία انظر في ذلك: S. Krauss, Griechische und lateinischelehnworterim Talmud Midrasch und Targum, Berlin, 1899, 11, 39-40, وعبارة איפטיקוס من اليونانية ύπατικός تعني المستشار أو الوالي أو العامل انظر: M. Jastrow, Dictionary of the Targumim, repr., New York, 1950, 1, 58 = 11, والعبارة مستعملة أيضا في اللغة السريان ية ويبدو لي ان د غرتنر ذهب إلى ان االستعمال في ذلك الوقت كان يعني رئيس الجماعة أو القرية ولكنه أمر يحتاج إلى إثبات 16 األغاني ج 19 ص المصدر نفسه ج 19 ص بالنسبة إلى اليهود يحتاج النص إلى ان ي قرأ على نحو مغاير أي "اليهودي" 19 إن األمر أشد دقة مما وصفته في مقالي: 20 لجأ إلى. استند إلى. اعتضدب. "A Judeo-Arab house-deed from Habban, JRAS, pts. 3-4, 1953, 119. قسم الدراسات الدينية 11

12 ويجد المرء إشارة عن كيفية اشتغال هذا النظام في شرح ديوان قيس بن الخطيم 21 الشاعر األوسي أم ا القبائل الثالث التي كان لمحمد معها عالقات وصالت فهي قينقاع والنضير وقريظة وكان أفراد األولى من الصاغة المشتغلين بصناعة الذهب والفضة واآلخران المعروفان بالكاهنين وبني الصريح 22 ممن يشتغل أفرادها بزراعة النخيل ولهم الواحات )والصريح من صفا نسبه ويستعمل هذا الل فظ ضد الهجين أي من كان أحد والديه عربيا( ومعلوم أن دي ة الهجين هي نصف دية الصريح 23 كما كان األصل أن دية القرظي هي نصف دية الرجل من النضير ولكن الر سول ساوى بينهما في الدية مما اعتبر بمثابة اإلعالء من شان بني قريظة ولعل ذلك كان عمال سياسيا في األصل أراد منه استمالتهم إليه. وباستثناء هذه القبائل اليهودي ة الثالث فإن بعض العرب قد تهو د وفق عادة جديرة باالنتباه وهي أن النساء المقالت من العرب كن ينذرن 24 ما في بطونهن إن ولد وعاش أن يكون يهودي ا مثلما نجده مذكورا في تفسير الطبري وفي الروض األ نف للس هيلي. وللحقيقة فإن هذا النمط من العالقة كان قائما أساسا مع بني النضير غير أن رواية أخرى تقول أن بعض األفراد من األوس أقاموا عالقات أوثق مع بني النضير هؤالء ويبدو أن طبيعة هذه العالقة لم تكن ذات أهمي ة سياسي ة وال يمكن اعتبار حالة كعب بن األشرف إال حالة شاذة ال يقاس عليها واستثناء لم يتكر ر. وقد جعل محمد من اليهود جزءا من األم ة وأقحمهم فيها عندما أنشأ ذلك الحلف بعد وصوله إلى يثرب»فمن خالل الصلح الذي تم بينهم وبين المؤمنين فقد صاروا كالجماعة الواحدة كلمتهم واحدة ويدهم واحدة«25 كما يقول ابن األثير في»الن هاية في غريب الحديث واآلثار«وهكذا فإن ه من خالل الجمع بين األوس والخزرج في حلف واحد أضيف إليه اليهود استطاع الر سول أن يكون هو ذلك»الم جم ع«الذي»جمع به هللا من الفرقة«كما كان أمر جد ه قصي حينما جمع قريشا ولذلك أطلقت عليه قريش حينما خرج عليها لقب»المفر ق«لتفريقه بين أفرادها وشق ه لصفوفها زمن خالفه معها. ويمكن القول إن كل هذه األحالف التي قامت في يثرب يجوز وصفها»بالجامعة«كما هو شأن المسجد الجامع حيث تجتمع )ولو "A Judeo-Arab house-deed from Habban, JRAS, pts. 3-4, 1953, الديوان 22 السمهودي وفاء الوفا القاهرة / 1326 ج 1 ص أحمد زكي صفوت جمهرة خطب العرب القاهرة / 1352 ج 1 ص 5 في فقرة تتناول «مقاول «حمير في الفترة السابقة على اإلسالم. 24 الطبري تفسير ط محمود واحمد محمد شاكر القاهرة.. / ج 5 ص 407 في تفسيره آلية "ال إكراه في الد ين" انظر الس هيلي الروض األ نف القاهرة / ج 2 ص 24 وبعض هؤالء المهتدين رفضوا أن يغادروا النضير حينما أجليت عن يثرب. وانظر ممارسة مشابهة في نذر الصبي إلى أحد القديسين في مقالي: «Sex, birth, circumcision in A. Leidlmair (ed.), Hermann von Wissmann-Festschrift, Tübingen, 1962, ابن األثير الن هاية في غريب الحديث واألثر القاهرة /1311 ج 1 ص قسم الدراسات الدينية

13 نظري ا( كل الجماعة في الصالة من يوم الجمعة فهذا الحلف الجديد الذي ينشأ على أنقاض األحالف القديمة السابقة هو الذي سيعرف»باألم ة«وسيتطو ر الحقا في اتجاه معني»الجماعة«. األم ة األم ة في األساس حلف سياسي غير أن ه لما كانت األحالف في الجزيرة العربي ة قديما وحت ى أي امنا هذه ترتبط وراثي ا ببعض البيوتات»الكهنوتي ة«كانت أغلب األحالف ذات طبيعة ثيوقراطي ة إال أن ذلك ال يعني ممارسة حكم شامل ويتمي ز الحلف الذي أنشأه محمد في يثرب بميزة خاصة وهي أن»الد ين«الذي تتكو ن منه يختلف عن دين القبائل اليهودي ة. والحقيقة أن هذا األمر ليس أمرا جديدا كل الجد ة إذا ما نحن علمنا بوجود سابقة لذلك في»البانتيون«أو ذلك الموضع Pantheon الذي تتجم ع فيه كل صنوف العبادات والطقوس في مك ة مم ا كان يعني وجود شيء من التسامح تجاه العقائد األخرى مثل النصراني ة- إلى الحد الذي سمح بوجود بعض األيقونوغرافيا النصرانية داخل الكعبة نفسها - ولكن شيئا فشيئا ستتحو ل األم ة أو هذا الحلف الثيوقراطي إلى جماعة إسالم ية خالصة. ويشار إلى أن اآلية 83 من سورة الن مل تتحد ث عن وجود أمم تكذ ب بآيات هللا )و ي و م ن ح ش ر م ن كل أ م ة ف و جا م م ن ي ك ذ ب ب آيات ن ا ف ه م ي وز ع ون ( كما أن اآلية 30 من سورة الر عد وهي حسب ريتشارد بال 26 مكية متأخ رة تشير إلى أن محمد ا أرسل )ف ي أ م ة ق د خ ل ت م ن ق ب ل ه ا أمم( وهذه المالحظات مم ا قد يشير إلى أن ه كان يعلم بأمر األحالف الثيوقراطي ة السائدة منذ القديم وصورها كما يعلم بأمر أحالف عصره. وفي آية مكي ة أخرى هي اآلية 22 من سورة الزخرف يقول القرشي ون:»إ ن ا و ج د ن ا آب اء ن ا ع ل ى أ م ة و إ ن ا ع ل ى آث ار ه م م ه ت د ون «وترد اآلية )و ك ذ ل ك م ا أ ر س ل ن ا م ن ق ب ل ك ف ي ق ر ي ة م ن ن ذ ير إال ق ال م ت ر ف وه ا إ ن ا و ج د ن ا آب اء ن ا ع ل ى أ م ة و إ ن ا ع ل ى آث ار ه م م ق ت د ون ) ويأتي الرد على هذا القول بصفة مباشرة وفورية )ق ال أ و ل و ج ئ ت ك م ب أ ه د ى م م ا و ج د ت م ع ل ي ه آب اء ك م ق ال وا إ ن ا ب م ا أ ر س ل ت م ب ه ك اف ر ون (. وهناك إشارة مباشرة إلى األم ة في الوثيقة A يمكن العثور عليها في القرآن في اآليتين من سورة األنبياء )إن ه ذ ه أ م ت ك م أ م ة و اح د ة و أ ن ا ر ب ك م ف اع ب د ون و ت ق ط ع وا أ م ر ه م ب ي ن ه م كل إ ل ي ن ا ر اج ع ون (. ويفس ر الطبري 27 هذه اآلية في معني أن ه كانت في األصل أم ة واحدة»ذات طبيعة ثيوقراطية«ولع له كان يري في األم ة صورة من صور»الجماعة«التي انقسمت إلى يهود ونصارى وعبدة أوثان:»يقول تعالى ذكره: وتفر ق الن اس في دينهم الذي أمرهم هللا به ودعاهم إليه فصاروا فيه أحزابا فهو دت اليهود وتنص رت النصارى وع بدت األوثان. ثم أخبر جل ثناؤه عم ا هم إليه صائرون وأن مرجع جميع أهل األديان إليه 26 Richard Bell (tr.), The Qur an, Edinburgh, , i, الت فسير القاهرة / ج 5 السورة 17 اآلية 61 قسم الدراسات الدينية 13

14 متوع دا بذلك أهل الزيغ منهم والضالل«. فالقرآن يبدو من هذه الناحية وكأنه يؤك د أن كل هذه الفرق ستعود يوما إلى األصل وهو»األم ةالثيوقراطية«الواحدة. اإلشارات القرآنية إلى االتفاقات أ - و- ب في ما عرف ب«دستور المدينة«: في دراستي األولى لنص الد ستور أشرت إلى العديد من اآليات القرآنية تبدو وكأن ها تشير تلميحا إلى واحد أو أكثر مما أسميته بالوثائق الثمانية التي تتكو ن منها الصحيفة وسيكون من المستغرب أن ال يشير القرآن على األقل إلى الوثيقتين)أ( و)ب( بما هما وثيقتان أساسيتان في تأسيس هذا الحلف في يثرب الذي سيمك ن محمد ا من هذه المكانة السياسي ة الرفيعة. وفي الحقيقة فإن ني لن آخذ على عاتقي أمر التمييز الكل ي والمنتظم لكل اإلشارات القرآني ة لهذه الوثائق الثمانية جميعها أو منفردة إال في الحدود التي أستطيع بطبيعة الحال فأنا إذا ما نظرت في اآلية 103 من ع ل ي ك م إذ ك ن ت م أ ع د اء ج م يعا و ال ت ف ر ق وا و اذ ك ر وا ن ع م ة هللا سورة آل عمران وما بعدها : 28 )و اع ت ص م وا ب ح ب ل هللا ف أ ل ف ب ي ن ق ل وب ك م ف أ ص ب ح ت م ب ن ع م ت ه إ خ و انا و ك ن ت م ع ل ى ش ف ا ح ف ر ة م ن الن ار ف أ ن ق ذ ك م م ن ه ا ك ذ ل ك ي ب ي ن هللا ل ك م آي ات ه ل ع ل ك م ت ه ت د ون ( أجدها تشير بشكل صريح ال لبس فيه إلى العهد أو العهود المضمنة في الوثيقتين )أ( و)ب( وقد تتمك ن أبحاث أخرى في المستقبل من أن تكشف المزيد. ويشير ريتشارد بيل 29 بصدد هذه اآلية:»إن ها مرك بة بل هي في بعض أجزائها مضطربة ومشو شة«. والواقع أن محاولته إرجاع اآليات الثماني من سورة آل عمران موضوع دراستنا إلى عناصرها المكو نة يت صل مباشرة بالحج ة التي أود الدفاع عنها وبسطها. فريتشارد بيل يرجع هذه اآليات إلى السنة الثانية ولكن ه يعتبر أن هناك بعض المراجعة لها قد تم ت قبل أحد وإذا كنت أقبل وجهة النظر هذه وأعتبرها جديرة بالقبول في الظاهر إال إن ني من وجهة نظر الخلفي ات األدبي ة التاريخي ة أقترح النظر إلى هذه اآليات بكيفي ة مغايرة هي التالية: نجد في النص العربي األصلي للقرآن ما يلي:»و م ن ي عتص م باهلل ف ق د ه د ي إ ل ى ص ر اط م س ت ق يم ي ا أ ي ه ا ال ذ ين آم ن وا ات ق وا هللا ح ق ت ق ات ه و ال ت م وت ن إال ع ل ي ك م إذ ك ن ت م أ ع د اء ف أ ل ف ب ي ن ق ل وب ك م ج م يعا و ال ت ف ر ق وا و اذ ك ر وا ن ع م ة هللا و أ ن ت م م س ل م ون و اع ت ص م وا ب ح ب ل هللا ف أ ص ب ح ت م ب ن ع م ت ه إ خ و انا و ك ن ت م ع ل ى ش ف ا ح ف ر ة م ن الن ار ف أ ن ق ذ ك م م ن ه ا ك ذ ل ك ي ب ي ن هللا ل ك م آي ات ه ل ع ل ك م ت ه ت د ون م ر ون ب ال م ع ر وف و ي ن ه و ن ع ن ال م ن ك ر و أ ول ئ ك ه م ال م ف ل ح ون» )آل و ل ت ك ن م ن ك م أ م ة ي د ع ون إ ل ى ال خ ي ر و ي أ عمران: (. 28 الطبري الت فسير القاهرة / ج 7 ص 61 وما بعدها. وانظر ريتشارد بال المرجع السابق ج 1 ص 55 الذي يتعمد الترقيم الغربي للسور وهي تبدأ من الرقم المرجع نفسه ج 1 ص قسم الدراسات الدينية

15 إن ني أفترض بصدد هذه اآليات أن ها عرفت مراجعتين أساسي تين للصيغة األصلي ة وهي الصيغة التي أشير إليها مطبعي ا في تلك األقسام بأحرف غليظة وأميل إلى القول إن المراجعة األولى قد تكون أضافت إلى األصل ما أشرت إليه مطبعيا بتلك الحروف الصغيرة أم ا المراجعة الثانية فقد تكون أضافت ما أشرت إليه بالحروف المائلة بيد أن بعض األقسام المشار إليها بالخط المائل وخصوصا القسم الثاني قد تكون جزءا من الضبط األو ل أو الجمع األو ل لهذه اآليات. ويخبرنا الطبري 30 عن هذا القسم من اآلية أن ه نزل عندما بدأت الضغائن التي غذ اها أحد اليهود بين األوس والخزرج وهما»ج م اع«31 األنصار تهد د بإثارة الفتن من جديد وبالتالي فإن القرآن يذكر األنصار بالوثيقة )A( المضمنة في الصحيفة والتي أل فت بينهم وجعلت منهم أم ة واحدة. ويمكن القول إن لفظ األخ الذي يستعمله الطبري يمكن أن يعني أيضا األخ وكذلك العضو من القبيلة ويبدو أن آية )و ال ت م وت ن إال و أ ن ت م م س ل م ون ()آل عمران: من اآلية 102 ( ال تتالءم تالؤما وثيقا مع السياق التاريخي إال أن ها تتالءم مع الفترة السابقة على أحد ويمكن القول إن حل الجمل المكتوبة بخط مائل إن لم تكن كل ها تنتمي أيضا إلى مرحلة ما أسميناه بالضبط الثاني أو الجمع الثاني الذي عرفته هذه اآليات. والحقيقة أن ه إذا كانت كل الدواعي تت فق على قبول تاريخي ة رواية الطبري التي تصل بين هذه األجزاء من اآلي وحادثة األوس والخزرج إال أن ني أزعم تقديم رأي يذهب إلى أن الصورة األصلية لهذه األجزاء من اآلية هي تلك التي كتبتها بحروف غليظة وأ قر في الواقع أن هذا الرأي ما هو إال مجرد افتراض ال مفر منه أمام من يتوس ل النقد األدبي وهو يطب ق على النص القرآني والمقياس الذي يتأس س عليه هذا االقتراح هو ما الحظته من وجوه التناسب في اللغة والمضمون بين هذه الجزء أو المقطع من اآلي وما أسميته بالوثيقة )A( / أو) B ( وإذا ما صح ت فرضي تي هذه فإن هذه األجزاء من اآلي التي توافق على وضع هذا العهد الذي ظهرت للوجود من خالله هذه األم ة أم ة محمد النبي األم ي أو باألحرى عهد هللا الذي اصطفي محمد ا ليبلغ من خالله رسالته قد جرى إدماجها في سورة آل عمران. التناسب بين اآلية 101 وما بعدها من آل عمران والوثيقتين: )أ( و)ب(: هناك تناسب في اعتقادي بين اآليتين )و م ن ي ع ت ص م ب اهلل ف ق د ه د ي إ ل ى ص ر اط م س ت ق يم ي ا أ ي ه ا ال ذ ين آم ن وا ات ق وا هللا ح ق ت ق ات ه و ال ت م وت ن إال و أ ن ت م م س ل م ون ) وبين البند 12 من الوثيقة )أ( وفيه»وإن المؤمنين المتقين ج م يعا ( )آل عمران: 103( على أحسن هدي وأقومه«وبعدها يأتي منطقي ا األمر ب: )و اع ت ص م وا ب ح ب ل هللا 30 الت فسير القاهرة /1374 الجزء 7 ص قرأها الناشرون "جماع" بكسر الجيم. قسم الدراسات الدينية 15

16 وهو ما يفس ره الطبري 32 بقوله:»وتمس كوا بدين هللا الذي أمركم به وعهده الذي عهده إليكم في كتابه إليكم من األلفة واالجتماع على كلمة 33 الحق «. وقد زاد الطبري من تعقيد األمر على نفسه حينما فس ر معني»الحبل«الذي يعني في الزمن السابق على اإلسالم كما نعلم»العهد / الرباط/ الصلة بأن أضاف إليه معنى»األمان«وأم ا الحبل فإن ه السبب الذي يوصل به إلى البغية والحاجة ولذلك سم ي األمان حبال ألن ه سبب يوصل به إلى زوال الخوف والنجاة من الجزع والذعر«وهو أمر غير بعيد عن الوثيقتين )أ( و)ب( بما أن هما تسعيان إلى وضع أس عام لألمن في يثرب»ف: حبل هللا: الجماعة«34 كما يذكر الطبري يدعم ما أذهب إليه من المماهاة بين الوثيقتين )أ( و)ب( وبين»السن ة الجامعة«التي نجد ذكرا لها في نص اتفاق التحكيم بين على ومعاوية في صف ين. أم ا ما جاء في اآلية )و ال ت ف ر ق وا()آل عمران: من اآلية 103 (»فيفس ره الطبري 35 بقوله»وال تتفر قوا عن دين هللا وعهده الذي عهد إليكم في كتابه من االئتالف واالجتماع على طاعته وطاعة رسوله صل ى هللا عليه وسلم واالنتهاء إلى أمره«ولعمري فإن هذا القول األخير مما يحيل على البند األخير من الوثيقة )ب( وفيها»وإنكم مهما اختلفتم فيه من شيء فإن مرده إلى هللا عز وجل وإلى محمد صل ى هللا عليه وسلم«أم ا ما جاء في اآلية»)و ل ت ك ن م ن ك م أ م ة ()آل عمران: من اآلية 104 ( فهو يشير إلى أن هذه اآلية هي مم ا يدعو إلى تكوين»األم ة«التي تجد أسسها على ما كان القوم يعتبرونه من باب»المعروف«أو يقبلون به على أن ه كذلك والحقيقة أن القبائل اليثربي ة التي ذكرت في الوثيقة )أ( ات فقت كل ها على العمل بكل ما اعتادته أغلبها في مسائل القتل والجروح مثلما جرت به سنن»المعروف«بينهم ويفس ر الطبري 36»األم ة«بأنها»جماعة«يقول:»)أ م ة (: جماعة«وهو معناها األصلي في هذا السياق التاريخي بيد أن ه يضيف أن )ٱل خ ي ر ) ]آل عمران: 104[ يعني»اإلسالم وشرائعه التي شر عها هللا لعباده«وأن )ب ٱل م ع ر وف ) ]آل عمران: 104[ هو»إت باع محمد صل ى هللا عليه وسلم ودينه الذي جاء به من عند هللا»أم ا )ٱل م ن ك ر ) ]آل عمران: 104[: فيعني النهي عن الكفر باهلل والتكذيب بمحم د وبما جاء به من عند هللا«. ويبدو لي أن التفسيرات الثالثة األخيرة أن ها قد ت ووضعت الحقا وأن ها خرجت من رحم المعاني الحصري ة األولى التي نجدها في هذه الكلمات القرآنية إذا ما نحن أخذناها في سياقها التاريخي األصلي بمعني ارتباطها بما اعتبرناه الوثيقة 32 الت فسير القاهرة / ج 7 ص 70 وقد كر مني البروفيسور بيستون Professor Beeston بمالحظة ال تقد ر بثمن حول كلمة حبل في العربي ة الجنوبي ة إذ تستعمل جذر )ح ب ل( في سياق تعبير شائع عندما يقدم ( الم قر ب - الم جم ع ) حكما يتصل بكل جماعة - وربما تعني كلمة ذو هنا الم وح د - من جماعات هللا وال يمكن القول على وجه الدقة ما إذا كانت عبارتا حبل / حمر لها دالال دينية أو مدنية فحسب. إن داللة كلمة حبل في هذا السياق هو أن ها تتساوق في المعنى والمناسبة. مع حبل هللا القرآنية الواردة في آل عمران 101 انظر: Beeston s Warfare in ancient South Arabia (2nd-3rd centuries A.D.) (Qahtan, Fasc., 3), London, 1976, 34, 38. وخصوصا ص 36 بالنسبة إلى»محكم«ب»حبل«وهي تشير إلى المعاهدة السلمي ة نجدها في بالد شمر في ريدان من مملكة سبأ وريدان. 33 "كلمتهم واحدة" في اللغة القديمة والحديثة تعني االتفاق علي موقف واحد. 34 الت فسير ج 7 ص الت فسير ج 7 ص المصدر نفسه ج 7 ص 91 وما بعدها. 16 قسم الدراسات الدينية

17 )أ(. وسيشار بعد بضع آيات بعد هذه اآليات وأعني اآلية 112 من آل عمران إلى أن اليهود أو بعضا منهم كان لهم»حبل«أي عهد مع هللا ومع الن اس في إشارة إلى»ض ر ب ت ع ل ي ه م ٱلذ ل ة أ ي ن م ا ث ق ف و ا إال ب ح ب ل م ن ٱلل ه و ح ب ل م ن ٱلن اس و ب اؤوا ب غ ض ب م ن ٱهلل و ض ر ب ت ع ل ي ه م ٱل م س ك ن ة ذ ل ك ب أ ن ه م ك ان وا ي ك ف ر ون بآيات ٱهلل و ي ق ت ل ون ٱأل ن ب ي اء ب غ ي ر ح ق ذ ل ك ب م ا ع ص و ا و ك ان وا ي ع ت د ون «. ويبدو لي أن ما جاء في اآلية من اإلشارة إلى»بح ب ل م ن ٱهلل «إن ما مم ا يحيل رب ما على ما أسميته بالوثيقة )C( أم ا ال«ح ب ل م ن ٱلن اس» فلعل ه يشير إلى عهود الحلف أو الوالء التي أبرمها بعض األوس أو الخزرج مع بعض القبائل اليهودي ة. خالصة النتائج: لقد ذهبت إلى أن اآليات من سورة آل عمران في أقدم صورها الثالث التي عرفتها أثناء عملي ة الضبط التاريخي التي عرفتها تشير إلى الوثيقتين: )أ( و)ب( من»دستور المدينة«الذي أماهي بينه وبين»السن ة الجامعة«وقد أشار الطبري في تفسيره إلى أن»الحبل«المذكور في السورة هو العهد الذي تم بمقتضاه التوحيد والتجميع وبالتالي فإن هذا القول مم ا يدعم حج تي في المماهاة بين الوثيقتين: )أ( و)ب( وبين»السن ة الجامعة«. إن عملي ة الضبط األولى التي عرفها هذا القسم من اآليات تتحد ث عن األسس التي تقوم عليها الجماعة أم ا الضبط الثاني فيقوم بتحوير هذا القسم نفسه إلى شيء من التحذير لألوس والخزرج لاللتزام بما جاء في هذا العهد في حين أن الضبط الثالث يشير إذا ما نظر إليه في صلته ببعض اآليات التالية له إلى أن ه دعوة لمحمد وأتباعه إلى الوقوف في وجه القوى المكي ة التي قد يكونون واجهوها في أحد 37 إذا ما نحن أخذنا برأي ريتشارد بال في ما يت صل بزمن نزول هذه األجزاء من اآلي. ولع له يجدر بالمرء أن يضع في ذهنه أن ه كل ما أوردت التفاسير روايات مختلفة حول أسباب نزول إحدى اآليات فإن ذلك قد يعني وجود أكثر من ضبط واحد للنص غير أن مثل هذه الحلول الواضحة لمشكالت النقد النصي قليال ما تبرز للعيان في الواقع والعيان فوجب االنتباه. غير أن ه وإن وجد البعض قولي بوجود ثالث مجاميع أو ثالثة صنوف من الضبط عرفتها هذه اآليات قوال غير مقبول فإن ه يجب في المقابل التأكيد على أن إشارتهما إلى ما اعتبرناه عهدين أو وثيقتين: )أ( و)ب( باسم»حبل هللا«يبدو أمرا غير قابل للرد البت ة. وثائق»الد ستور«الثماني: إن الوثيقتين اللتين تضبطان أمر الحلف بين المهاجرين من قريش الباحثين عن الحماية في يثرب واألنصار من قبائلها جمعت الحقا مع وثائق أخرى ووصلتنا ضمن وثيقة واحدة عر فها المستعربون الغربيون باسم»دستور المدينة«وهي تسمية غير صائبة تربط الوثائق بموضع جغرافي ال بمجموعة من القبائل. 37 ريتشارد بال المرجع السابق ج 1 ص 55 يضع هذه الفقرة ضمن سورة آل عمران االية 100 قبل غزوة أحد. قسم الدراسات الدينية 17

18 ومن وجهة النظر التاريخي ة فإن هذا األمر ال يقل أهمي ة عن ما عر فه القرآن نفسه وبالرغم مم ا قد يكون قد حدث من خلط طفيف وسطحي فإن هذا»الد ستور«هو وثيقة صحيحة حق ا وثابتة تاريخي ا وقد كان أمر إثبات هذا األمر وتفكيكه من خالل المزاوجة بين التقني ات اللساني ة واألدبي ة عمال مضنيا. 38 والحقيقية أن الوثائق الثماني المكو نة لهذا»الد ستور«تتمي ز بعتاقتها في الشكل والعبارة وفي المضمون واألسلوب وهي تتكو ن من العناصر المستقل ة التالية: نص المعاهدة أو الكتاب. ذيل على نص العهد أو الكتاب رقم A )هاتان الوثيقتان: )أ( و)ب( يجب اعتبارهما بمثابة السن ة الجامعة 39 المذكورة في نص التحكيم بين علي ومعاوية. كتاب أو عهد يحدد منزلة القبائل اليهودي ة. ذيل أو مستدرك على العهد أو الكتاب )ج( ))C تحدد منزلة القبائل اليهودي ة. تأكيد منزلة اليهود. إعالن يثرب حرما. معاهدة سابقة لغزوة الخندق بين عرب يثرب ويهود قريظة للدفاع عنها في مواجهة قريش وحلفائها. ملحق أو ذيل على إعالن يثرب حرما. 38 قام عون الشريف قاسم دبلوماسية محمد : دراسة في نشأة الدولة اإلسالمي ة في ضوء رسائل النبي ومعاهداته جامعة الخرطوم قسم التأليف والنشر ( 1971( ص بنشر»الد ستور«متبن يا تقسيمه إلى وثائق منفصلة منذ الزمن الذي أعد فيه رسالته للدكتوراة في لندن. وانظر محمد حميد هللا مجموعة الوثائق السياسي ة ط 3 بيروت / وقد أشار إلى مقالي األو ل واكتفى بإعادة نشره دون نظرة نقدي ة ودون تقسيماته التي قمت بها وإن قد م قائمة طويلة من النصوص التي وجدت فيها هذه األقسام الثمانية وهو أمر مهم بالنسبة إلى دراسات قادمة غير أن ي لم أستعمل كل مصادره لألسف. القاضي محمد بن علي األكوع الحولي الوثائق السياسي ة اليمنية بغداد / ص 51 وما بعدها ويبدو أن ه اكتفى بإيراد نص محمد حميد هللا وترقيمه وقد لفت السيد أ. ه. رحمان نظري إلى دراسة موشيه جيل: M. Gil, The constitution Medina: a reconsideration, Jerusalem, 1974, الذي أضاف مرجعا أو اثنين لما استعملته من مراجع )ولم أستعملها كل ها هنا( غير أن ه لم يلق باال إلى تقسيماتي الثمانية للنص. 39 نصر بن مزاحم المنقري وقعة صف ين القاهرة / 3 ص 505 و 510 بالنسبة إلى الوثيقة في إحدى روايتها. وبالنسبة إلى الت فسير الشيعي حول وثيقة التحكيم أن ه لم يثبت بطبيعة الحال أن ها الوثيقة األصلية بالنسبة إلى الوثيقتين أ و ب. 18 قسم الدراسات الدينية

19 النص : إن النسختين الل تين أعرفهما إلى حد الساعة هما نسخة ابن إسحاق )حوالي /151-85( وهي األساس الذي اعتمدته ونسخة أبي ع بيد القاسم بن سالم في كتاب األموال 40 وهي ناقصة كما إن ني رجعت أيضا إلى نسخة إسماعيل بن محمد بن كثير في البداية والن هاية. 41 إن نص ابن إسحاق رغم بعض النقصان والحذف أشير إليها في موضعه يعتبر نص ا جديرا بالثقة ويمكن التعويل عليه واالشتغال عليه وإن كان يجدر اإلشارة إلى أن الوثيقتين )E( و) H ( ال تتبعان ترتيبا زمني ا تعاقبي ا كما أن البنود األولى من الوثيقة )E( قد غ ي ر موضعها ويمكن تعليل عدم االنتظام هذا تعليال ذا مصداقي ة ومقنعا بالقول إن هذه البنود قد كتبت أشتاتا في صورة صحائف اختلط ترتيبها على جامعها أو هي ترجع إلى زمن أقدم من الوثائق األقدم منها زمنا في مجموعتها. والمالحظ أن أبا ع بيد) 742/ ( لم يفهم دوما بشكل صحيح هذه الوثائق بيد أن الشاغل األساسي في روايته هو اإلسناد الذي رجع به إلى الز هري ) / ( الذي روي أن ه قال:»بلغني أن رسول هللا صلي هللا عليه وسلم كتب بهذا الكتاب«أم ا نسخة الز هري فناقصة وأقل حج ية من نسخة ابن إسحاق ويبدو األمر كما لو أن هذا األخير قد رجع إلى نسخة أصلي ة في حين أن أبا ع بيد لم يحالفه الحظ في ذلك كما يروي أبو ع بيد. 43 في مقالي األو ل حول»الد ستور«فصلت بين مكو نات»الد ستور«المتعد دة اعتمادا على»لفظ الختام«في كل منها الذي يلي عددا من االلتزامات في كل منها وكان أغلب صورهذه األلفاظ مم ا ينتهي بعبارات يقوم جذرها اللغوي على مادة )ب ر ر= بر ( أو إحدى مشتق اتها المتفر عة عن المعني األصلي من مثل )بر بيمينه(.وفي اعتقادي فقد كان هذا إشارة صريحة إلى هذه العبارات هي مم ا كان مستعمال في الفترة السابقة على اإلسالم في بيت من الشعر 44 حول مساعدة الخزرج لعبد المطلب في نص البن حبيب في الم نم ق وفيه:»جزى هللا خيرا عصبة خزرجية تواصوا على بر وذو البر أفضل«40 القاسم بن سالم أبو ع بيد كتاب األموال القاهرة د ت ص 202 وما بعدها. 41 البداية والن هاية القاهرة 1932 / 1351 ج 3 ص 224 وما بعدها. 42 بالنسبة إلى الز هري انظر مقال الد وري: A, Duri, Al-Zuhri, A study on the Beginnings of History writing in Islam, BSOAS, XIX, I, 1957, ويشير موشيه جيل في دراسته المذكورة سابقا ص 47 إلى إسناد آخر من ابن سي د الن اس ( النصف األول من القرن الثامن / الرابع عشر ( عيون اآلثار القاهرة /1356 ولكن يبدو أن ها رواية ال تختلف كثيرا وال تعتبر رواية غابت عن ابن إسحاق الذي يعتبره ابن سي د الن اس حجة في الر واية. 43 ارتبط نص الز هري بنص ابن إسحاق انظر ص ص 2-40 وقد روى الز هري حديثا عن النبي نقله مالك بن أنس )90/ 709( أسد الغابة القاهرة /1280 ج 1 ص 127( وقد تم إبرام الحلفين في بيته وفي عبارة الز هري : «كتب ب... انظر ما جاء في معجم دوزي Dozy, Supplément «كتب إليه بذلك محمد بن حبيب كتاب الم نم ق حيد آباد 1964/184 ص 88 قسم الدراسات الدينية 19

20 فكان على أطراف هذا الحلف أن يحلفوا اليمين إذا ما أرادوا الدخول فيه بل إن لفظ»الحلف«الذي تسم ي به هذه المعاهدات إن ما يعني حسب ما ذكره المستشرق الين في معجمه»القسم بأن يبر المرء بما عاهد عليه«أو»أن يحلف اليمين«وإذا ما أراد طرف أن يخرج عن هذا الحلف فما عليه إال أن يجد المبر ر الكافي لذلك. األطراف المذكورة في الوثائق: من المفروض أن تحمل كل وثيقة من هذه الوثائق الثماني»إمضاءات«أو»أختام«األطراف الموق عة عليها ففي صلح الحديبية مثال ذكرت أسماء المهاجرين والقرشي ين»في صدر الكتاب«45 كما يقول الواقدي وقد وجدت أثرا لهذه العادة حتى أي امنا هذه في جنوب الجزيرة العربي ة فالوثائق تحتوي على صف من التواقيع في صدر الورقة فوق النص المكتوب ومثل هذه المعاهدات في جنوب الجزيرة ال زالت تستعمل غالبا لفظ»أقر ب...«وهو ذات الل فظ الذي يظهر في نص»الد ستور«في الوثيقة )ب( )البند 3 أ(.B/3a ولم ا كانت هذه التواقيع أو اإلمضاءات قد تم ت باسم األطراف المتعاهدة فإن ه بإمكاننا بكل ثقة أن نعيد رسم ختم محمد والقيادات القرشي ة من المهاجرين وأسماء النقباء ال ذين يمث لون الخزرج والقبائل اليثربي ة الثالث التي تعامل معها الر سول في ما يت صل بالمسائل التي تهم القبائل اليثربي ة وأغلب قيادات المنافقين فيما يبدو مثل عبد هللا بن أبي وهو من بني عوف من الخزرج ويبدو أن ه ال مفر من 46 أن يستنتج المرء أن اسمه قد ورد بالفعل بين هؤالء األطراف الممضين بكيفي ة ال ريب فيها فيما يبدو. ومن المرج ح أيضا أن الوثائق التي تتحد ث عن اليهود تحمل هي أيضا بصمات أسماء الممضين منهم من ذلك مثال أحد سادات قريظة كعب بن أسد القرظي في الوثيقة )ف( )F( والواقع فإن ني أجد نفسي مجبرا على النظر إلى هذا الد ستور كما احتفظ لنا به ابن اسحق باعتباره نص ا ن سخ عن نص أصلي مرجعي حذفت منه قائمة مضجرة من أسماء الموقعين بيد أن التساؤل عما إذا كان بين يدي ابن إسحاق هذه النسخة الكاملة يدفعني إلى افتراض أن ه أم ا قد علم بقائمة كل هؤالء الموق عين أو أن ه كان ذا رأي خاص في ما يتعل ق بهم كما أن ه من الممكن أيضا أن نفترض أن هذه النسخة األصلي ة أو المرجعية قد كانت من عمل علي )= بن أبي طالب( نفسه. 45 الواقدي المصدر السابق ج 2 ص 612 وكان الر سول أحيانا يختم الوثيقة بظفره )المصدر نفسه ج 3 ص 1025(. وفي هذا المقام فإن ني أفترض أن األمر يتعل ق بختمها والصحيفة تختم أحيانا من القفا )محمد بن يحي الصولى أدب الكتاب القاهرة / ص 149(. 46 انظر أسفله ص قسم الدراسات الدينية

21 النقباء يعر ف الطبري 47 النقيب بأن ه»األمين الضامن على القوم«وكانت وظيفته مساوية لوظيفة»شيخ الضمان«48 في يمن الزيدي ة اليوم وهو المسؤول عن التحكيم وجمع المكوس والديات وصنوف الغرم في ما دون النفس الخ.. ويشير صاحب الروض األ نف 49 وهو يناقش عبارة»فالن على ربعته«إلى أن ه»كان نقيبهم ووحيدهم على شأنهم وعاداتهم من أحكام الديات والدماء»فالنقيب وما شابهه من الرتب الرفيعة كالسادات واألشراف هم أولئك»المطعمون«الذين يتكف لون بقري الضيف وقد ترك الر سول نقيبا على المدينة مد ة غيابه عنها فالنقيب إذن هو بمثابة الكافل للقبيلة من بعض الوجوه. ويبدو أن ه كان للرسول تأثير ما على اختيار النقباء كما أن ه كان قادرا على أن يتصرف باعتباره سي د بني النجار وهم أخواله بعد وفاة 50 نقيبهم وكان الع رف المعمول به في ما يت صل بالنسب مم ا يسمح له بذلك كما جاء في الس يرة الحلبي ة. وإذا ما نظر المرء إلى قائمة النقباء في كتب الس يرة النبوي ة وقارنها بالقبائل المذكورة في الوثيقتين: )A( و) C ( فإن ه سيقف على أمر بديهي وهو أن كل قبيلة خزرجي ة قد انتدبت واحدا أو اثنين من النقباء لتمثيلها كما انتدب األوسي ون ثالثة من النقباء )وإن لم يذكر من فروعهم في العهد إال عمرو والنبيت( ويبدو أن واحدا فقط من هؤالء النقباء كان ذا مرتبة أرفع إذ كان»سي دا«في قومه. وقد أثيرت مسألة الصلة بين عدد هؤالء النقباء اإلثنى عشر ومساواتهم لعدد قبائل بني إسرائيل 51 منذ أي ام الس هيلي في الروض األ نف الذي اعتبر النقباء بمثابة»قوم موسى«أو عدد حواري عيسي وبالتالي فهي مسألة متأخرة في الظهور عن زمن محمد وفي جميع األحوال فلم يكن لذلك أي أهمي ة أو دور في تصريف أمر األم ة وأنا أميل إلى االعتقاد أن هذا العدد كان عددا اعتباطي ا وقد أولى ابن إسحاق هذا العدد قليال من االهتمام النصرافه إلى تتب ع أشخاص آخرين بدوا له أكثر أهمي ة إال أن ذلك لم يشاطره فيه الواقدي في مغازيه حين وف اهم القول. 47 الت فسير القاهرة / ج 10 ص 110. وانظر أيضا الجاحظ الرسائل القاهرة / ج 1 ص 14. ابن األثير الن هاية ج 4 ص 167.»النقيب: و ه و كالع ريف ع ل ى ال ق و م الم ق د م ع ل ي ه م ال ذ ي ي ت ع ر ف أخبار هم وي ن ق ب ع ن أ ح و ال ه م : أ ي ي ف ت ش«نفسه ج 3 ص 86.»الع ر ف اء: ج م ع ع ر يف و ه و الق ي م ب أ م ور ال ق ب يل ة أو الج م اع ة م ن الن اس ي ل ي أ م ور ه م وي ت ع ر ف األمير م ن ه أحوال هم«. وقد تحدث الواقدي في مغازيه عن وظائف النقيب ج 2 ص 547. وذكر محمد بن حبيب في كتاب الم حب ر حيدر آباد 1942 / 1361 ص 38 قائمة نقباء بني العباس بن عبد المطلب وخزاعة وتميم وآخرين ولع له يشير بذلك إلى أن العائلة لها سطوة على هذه القبائل ذات الصلة بالحرم المك ي وقد أشار البخاري في الصحيح ج 4 ص 395 إلى أن العرفاء التجؤوا إلى محمد. 48 في شمال اليمن النقيب هو شيخ قبلي أكثر منه شيخ المشائخ. 49 المصدر نفسه ج 2 ص علي بن إبراهيم نور الد ين الحلبي الس يرة الحلبي ة ج 1 ص 479 ج 2 ص الس هيلي المصدر السابق ج 1 ص 276 يشير إلى أن النقباء أشبه بق و م م وس ى«و ب ع ث نا م ن ه م اث ن ي ع ش ر ن ق يبا «وانظر البالذري أنساب االشراف ط محمد حميد هللا القاهرة 1959 ج 1 ص مشيرا إلى قول الر سول»إن كم كفالء على قومكم ككفالة الحواري ين لعيسى ابن مريم وأنا كفيل قومي«. قسم الدراسات الدينية 21

22 المنافقون لقد بينت في غير هذا المقال 52 أن هذه الكلمة التي صارت الحقا تعني ما نعرفه اليوم من معني النفاق أن ها مشتق ة في األصل من»نفق«في المعني العام لهذه الكلمة الذي يعني»اإلنفاق«ويتبي ن من خالل الوثيقتين) E (و) C (أن األمر يتعل ق بصورة من صور الضرائب التي يدفعها المؤمنون واليهود سواء بسواء عندما تواجه األم ة خطر الحرب وأنا أميل إلى تشبيهها بالغرم الذي تفرضه القبائل الزيدي ة في اليمن على نفسها حينما تواجه خطرا محدقا أو أمرا طارئا فهو كالجباية. أو ما شابه ذلك وقد أقام القرآن فصال بين المنفق الذي يدفع نفقة ويستحق ألجلها الثناء وذلك المنفق الذي يستحق التقريع أسوة باليهود إذ كالهما يترد د في دفع ما عليه من مقدار مادام اليري فيه مصلحة مباشرة له وبالتالي فالمنافق هو ذاك المتلك ئ في دفع النفقة في ح ت ى ي ن ف ض وا( 53 )المنافقون: حين يدفعها اآلخرون وهؤالء )ه م ال ذ ين ي ق ول ون ال ت ن ف ق وا ع ل ى م ن ع ن د ر س ول هللا من اآلية 7 ( ويذهب البيضاوي 54 في تفسيره إلى أن عبد هللا بن أبي رأس المنافقين هو من قال ذلك ويصفه بأن ه ما كان مسلما وال مشركا وال يهودي ا يقول:»روي أن أعرابي ا نازع أنصاري ا في بعض الغزوات على ماء فضرب األعرابي رأسه بخشبة فشكا إلى ابن أبي فقال: ال تنفقوا على من عند رسول هللا صل ى هللا عليه وسلم حتى ينفض وا وإذا رجعنا إلى المدينة فليخرجن األعز منها األذل عنى األعز نفسه وباألذل رسول هللا صل ى هللا عليه وسلم«. ولعل هذه اآلية التي استشهدت بها تدعم ما أذهب إليه من معنى المنافق في األصل قبل أن تطرأ عليه معان جديدة الحقا. ويشير القرآن إلى هؤالء المنافقين بقوله )و ي ح ل ف ون ب اهلل إ ن ه م ل م ن ك م و م ا ه م م ن ك م و ل ك ن ه م ق و م ي ف ر ق ون ) )التوبة: 56( ويفسر الطبري 55 ذلك»ولكن هم قوم يخافونكم فهم خوفا منكم يقولون بألسنتهم: إن ا منكم ليأمنوا فيكم فال يقتلوا«. وأنا افهم هذا القول على أن ه إشارة إلى يمين أخذت للبر بها من خالل عهود نجد صداها في الوثيقتين: )أ( و)ب( وفي آية أخرى من سورة يجعلها ريتشارد بال 56 من اآليات الالحقة لموقعة أحد ف ل ه م ع ذ اب م ه ين ) )المجادلة: 16( ي ت هم المنافقون بأن هم يتول ون )ات خ ذ وا أ ي م ان ه م ج ن ة ف ص د وا ع ن س ب يل هللا اليهود وي ع م ل ون في الدنيا بغش هم المسلمين. ونصحهم ألعدائهم من اليهود. ويبدو من المنطقي أن الحماية التي أعطوا ألجلها أيمانهم هي دون ريب تلك أعطيت لكل جماعتهم وتحدثت عنها الوثيقتان )أ( و)ب( وحلف المنافقون على أن يعملوا بها ويراعوها. 52 Islamic Quarterly. loccit 53 )ه م ال ذ ين ي ق ول ون لا ت ن ف ق وا ع ل ى م ن ع ن د ر س ول للاه ح ت ى ي ن ف ض وا( ]المنافقون: 7[ ابن األثير المصدر السابق ج 2 ص 190 يروي حديثا جاء فيه "»لا ت ق ول وا للم نا ف ق سي د فإن ه إ ن ك ان س ي د ك م و ه و م نا ف ق فحال ك م د ون ح ال ه وهللا لا ير ض ى ل ك م ذ ل ك «. 54 أنوار التنزيل ط فليشر / 55 الت فسير / 1374 ج 14 ص المصدر نفسه ج 2 ص 566 انظر البيضاوي ج 2 ص 320 بالنسبة إلى عهودهم الكاذبة. 22 قسم الدراسات الدينية